عندما قال طه حسين إن التعليم حق للإنسان كالماء
والهواء, نسي أن يضيف إليه وكذلك الكهرباء, فهي حق لا تستقيم حياة
الإنسان المعاصر بدونها فهي تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية للناس,
وبدونها تصبح الدنيا جحيما.
(1)من
أهم مزايا السد العالي توفير الكهرباء اللازمة لإنارة القري والنجوع
والأحياء الفقيرة في المدن. وقد أحدث ذلك ثورة اجتماعية كاملة, فقد
أصبح اليوم24 ساعة يستطيع أن يعمل فيها كلها, وأصبحنا نجد في القري
والأحياء الفقيرة أجهزة التليفزيون والكمبيوتر, والثلاجات, وغير ذلك من
الأدوات الكهربائية التي صارت من أسس الحياة الحديثة, وأصبح المواطن,
بفضل هذا التطور الجوهري في حياته, في وضع يستطيع معه أن يعرف ما يدور في
أي منطقة في العالم, وأن يحصل علي المعلومات اللازمة له, وصار في
مقدوره أن يخزن الأطعمة في الثلاجات والديب فريزر ليلجأ إليها عند
الضرورة, بخلاف الوضع في السابق, عندما كان يتعين علي الأسرة أن تأكل
كل الطعام الآن وألا تبقي منه شيئا وإلا تلف وصار مصيره إلي القمامة, ولم
تعد طرقات المدن ليلا مظلمة يخاف الناس من السير فيها, بل صارت مضيئة,
تنشر الأمان والثقة, وليست هناك أدني مبالغة في القول بأن عمود نور في
الليل بمدينة أو ضاحية بعيدة يقوم بدور مديرية أمن كاملة, وفي الماضي كان
الناس يستيقظون مع الفجر وينامون مع آخر ضوء, الآن مع وفرة الكهرباء
تغير الحال وأصبح في إمكان الإنسان أن ينام في أي وقت وأن يستيقظ في الوقت
الذي يشاء, ففي النور يستطيع أن ينجز أي عمل يريده.
هذه المرونة في ظروف الحياة, هي التي جعلت تقرير الايكونوميست الأخير عن
مصر يقول في معرض تدليله علي ارتفاع مستويات المعيشة: إن متوسط استهلاك
الفرد من الكهرباء زاد من644 كيلووات/ ساعة عام1990 إلي1460
كيلووات/ ساعة عام2009, وطبعا كل هذا علي خلفية حركة التعليم
الواسعة, والهجرة الضخمة من الريف إلي المدينة بحيث أصبح أكثر من70% من
السكان في مصر أهل مدن.
(2)
في مثل هذه الظروف التي أصبحت حياة الناس فيها تعتمد علي الكهرباء لا يمكن
قبول أو تبرير توبيخ الناس لأنهم يستهلكون الكهرباء, فحتي المياه في
البيوت صارت تعتمد علي سحبها بموتور كهربائي, وبدونه لا تتوافر المياه,
هذا بخلاف ضروريات الحياة الأخري, هل نقول إن الحق في استخدام الكهرباء
صار مثل الحق في التعليم كالماء والهواء, أي شيء لا يمكن الاستغناء عنه؟
شيء من مقومات وأسس الحياة!
الغريب أن الدولة اعتادت منذ فترة من الوقت, وكلما افتتحت محطة كهرباء أو
اشترت موتورا أن تصفه بأنه يعادل نصف أو ربع أو ثمن كهرباء السد العالي,
وهي تحرص باستمرار علي تذكيرنا بأن إجمالي الطاقة الكهربائية في البلاد
أصبح كذا مرة قدر كهرباء السد العالي!
طيب.. أين تذهب كل هذه الطاقة في حين أنه إذا حدث وتوقفت كهرباء السد
العالي فإن البلاد كلها تغرق في ظلام دامس؟ هل يأكلها العفريت؟
لقد أصبحت انقطاعات الكهرباء متكررة بشكل يسبب الضيق للناس جميعا, فإذا
كان استخدام أجهزة التكييف يضر بالحالة الصحية للشبكة القومية للكهرباء
فلماذا سمحت الحكومة ببيعها في الأسواق؟ ولماذا استوردتها أصلا؟ هل هي مثل
الحشيش أو المخدرات يجب ألا تستخدم إلا في السر؟
هل أجرت وزارة الكهرباء الميمونة تحليلا دقيقا لكي تعرف بالضبط ما هو سبب
انقطاع الكهرباء؟ الأغلب الأعم ومن مجرد الملاحظات بالعين المجردة, أن
الشبكة في أجزاء حيوية منها صارت متهالكة في حاجة ملحة إلي استبدالها,
وإلا لماذا نسمع كل حين أصوات انفجارات يعقبها نار ثم انقطاع كهرباء؟ هذه
كابلات لابد من تغييرها. لقد انقضي عمرها الافتراضي.
(3)
هل يعقل أن نصدر الغاز أو الكهرباء في حين أننا في مسيس الحاجة إلي الكهرباء لكي تستقيم حياة الناس هنا؟
إن الدولة كلها منزعجة بشدة من زيادة السكان, ويقولون لنا صباح مساء إن
زيادة السكان تلتهم أي زيادة في إنتاج الغذاء, وأي زيادة في مستويات
الدخول, وهي تجعل زيادة المدارس والطرق والمدن والمساكن كأن لم تكن,
إذا كان هذا رأي الحكومة والدولة في زيادة السكان.. فلماذا تقطع
الكهرباء؟
أريد أن أسأل السيد المسئول عن قطع الكهرباء, بالله عليك ياسيدي ماذا
سيفعل الناس عندما تنقطع الكهرباء, ويتوقف التليفزيون, ولا يعمل
الكمبيوتر, أو الراديو, وعنما يستحيل علي الناس الخروج إلي المقاهي أو
إلي الشوارع, فالظلام حالك مخيف, ماذا سيفعل الناس ياسيدي؟
أعتقد أن من يقرر قطع الكهرباء يجب أن نرشحه للفوز بجائزة نوبل لمضاعفة
السكان كل دقيقة. علينا أن نتساءل هل مزايا تصدير الغاز والكهرباء تفوق
عواقب زيادة السكان بسبب الظلام؟